Friday, June 03, 2011
مهرجان القاهرة السينمائى: الأفلام؟ أم السجادة الحمراء؟
حيرة واسعة النطاق تنتاب حاليا الأوساط السينمائية في مصر، حول إقامة مهرجان القاهرة السينمائي هذا العام أو تأجيله إلى عام مقبل. يقول البعض أن الأسباب تعود إلى افتقاد الأمن بما يجعل من إقامة هذه الدورة مستحيلا، ويقول البعض الآخر أن المهرجان يتكلف تكاليف باهظة بما سوف يشكل عبئا اقتصاديا في هذه الظروف بالغة الصعوبة. وإذا كانت هذه الأسباب تبدو منطقية إلى حد ما، فقد توجه اهتمام بعض ثالث إلى التحذير بأن عدم إقامة المهرجان في موعده ربما يتسبب في سحب صفة "الدولية" منه، لكن هناك من يرد على هذا التحذير بأنه سوف يتصل بالاتحاد الدولي للمنتجين، ليأخذ منه "إذنا" بهذا التأجيل!
يبدو الأمر كله نوعا من العبث الكامل، فإذا كان الأمن عاجزا عن حماية مهرجان للسينما، فذلك أدعى للتساؤل عن حماية الوطن والمواطن، وهل هما أقل أهمية وخطرا من المهرجان؟ وإذا كان السبب ماليا فلماذا لم يتحدث أحد بوضوح عن ميزانية هذا المهرجان، وما هي أوجه الإنفاق فيه، وهل يمكن اختصار بعضها؟ ومن الذي يصرف أصلا؟ أم أن ذلك من "الأسرار" التي يحتكرها البعض لنفسه لغرض ما؟ أما حكاية "صفة الدولية" فتلك هي أكبر كذبة يعيش عليها من يعتبرون المهرجان غنيمة لهم، ويروجون أقوالا لم يتحقق من صدقها للأسف من يكررونها بعدهم في وسائل الإعلام، حتى أصبحت الكذبة حقيقة.
الحكاية كلها تكمن في وجود "اتحاد" لصناعات السينما مقره باريس، يمكن لأي صناعة سينما في العالم أن تشترك فيه، كما أن عدم العضوية لا يعني شيئا في حد ذاته، لكن الاشتراك فيه يجعلك عضوا في هذا النادي الافتراضي، حيث تنظم مع زملائك مواعيد المهرجانات، حتى لا تتداخل هذه المواعيد مع بعضها البعض. وهكذا اشتركت غرفة صناعة السينما المصرية في الاتحاد، وكان نصيب مهرجان القاهرة موعدا في نوفمبر من كل عام، وإن كان ذلك يجعله الأخير بين أقرانه، فلا ييبقى له من الأفلام الجديدة كل عام إلا النزر اليسير.
دعنا نفترض إذن أن الاتحاد الدولي إياه قرر "شطب" مهرجان القاهرة من هذه القائمة، فهل يعني ذلك شيئا؟ أولا لن يحدث هذا مطلقا لأن الاتحاد ليس "الأمم المتحدة" التي توقع عقوبة على بلد ما، وهو ليس إلا جهة "تنظيمية" بين بعض المهرجانات. وثانيا هناك مهرجانات خارج تلك القائمة المزعومة هي من بين أفضل المهرجانات في العالم على الإطلاق، مثل مهرجاني لندن وتورنتو. لكن ما يجب ذكره في هذا السياق أيضا أنه إذا كانت "غرفة صناعة السينما المصرية" هي العضو الممثل لمصر، لماذا إذن تدفع وزارة الثقافة المصرية الجانب الأكبر من تكاليف المهرجان ومرتبات العاملين فيه، حتى في حالة عدم إقامته؟!
تعكس تلك الدوامة من التساؤلات حالة من غياب الوضوح وسط دوائر الثقافة في مصر، الذي يعكس بدوره حالة من تعمد الغموض لصالح بعض المنتفعين، وحالة من الغفلة من جانب أكثر المشتغلين بالصحافة السينمائية في مصر. وربما كان ذلك جميعه يشكل "تواطؤا" مريبا، حين تضيع الحقائق ومعها السينما والثقافة السينمائية كلها، فلم يسأل أحد فيما يبدو نفسه عن معنى إقامة مهرجان، وما الهدف منه، وما إذا كنا نحقق مع مهرجان القاهرة جزءا من هذا الهدف؟
ربما كانت الطريقة المثلى في بعض الأحيان للبحث عن الحقيقة هي أن نسأل عن "ألف باء" ما نبحث عنه، لذلك سوف نسأل أنفسنا سؤالا بدهيا ربما اندهش البعض من مجرد طرحه: ما هو المهرجان السينمائي؟ إنه مكان واحد، يحدث فيه كل عام (وأحيانا خلال دورة زمنية من نوع ما) اجتماع عدد وافر من الأفلام، تنتظمها وحدة واحدة، تعرض وسط صناعها والمهتمين بالشأن السينمائي، بهدف تبادل الخبرات فيما بينهم، على مستوى الإنتاج والتوزيع والعرض. لكن الدولة المقيمة للمهرجان يكون اهتمامها الرئيسي، حتى لو لم تعلن عن ذلك صراحة، هو إلقاء الضوء على صناعتها السينمائية، وفتح المجال أمامها لمزيد من الازدهار.
قد تكون الوحدة التي تجمع الأفلام المعروضة هي تاريخ صنعها، حيث تكون من إنتاج العام المنقضي على آخر دورة سابقة للمهرجان، لكن هناك أنواعا أخرى من تمييز هذه الأفلام: قد تكون من نمط فيلمي محدد مثلما يحدث مع أفلام الرعب مثلا، أو من إنتاج بلاد بعينها كبلدان البحر المتوسط، أو الدول الأفريقية الأسيوية، أو أمريكا اللاتينية، أو يكون التصنيف حسب طريقة الإنتاج، كمهرجان ساندانص للسينما المستقلة، أو ربما حسب النوعية مثل أفلام التحريك أو السينما التسجيلية، أو حسب مادة صنع الفيلم كأفلام الديجيتال (الرقمية) أو الفيديو، أو طبقا لطول الفيلم مثلما يحدث في مهرجانات الأفلام القصيرة. وعادة ما يقيم هذا المهرجان أو ذاك احتفالية صغيرة بأحد صناع الأفلام كنوع من التكريم له.
هكذا ولهذا تقام مهرجانات السينما في العالم، وتبعا لتحقيق الهدف من إقامة المهرجان يكتسب شهرة في العالم كله، ويصبح مقصدا للفنانين السينمائيين من كل أنحاء العالم. ولتتأمل الخطوات الثابتة الراسخة لأهم المهرجانات في العالم منذ إنشائها: فينيسيا في عام 1932، ولوكارنو في عام 1946، وكارلوفي فاري في عام 1946، وكان في عام 1947، وبرلين في عام 1951. لكن تأمل أيضا كيف استطاعت مهرجانات "محلية" أخرى أن تكتسب شهرة فائقة، وربما كان "الأوسكار" هو أشهرها على الإطلاق، برغم تركيزه على السينما الأمريكية، لكن دول العالم تتسابق لكي تمثل نفسها فيه بفيلم في مسابقة أفضل فيلم أجنبي. والدرس هنا هو أن صناعة السينما القوية تستطيع أن تخلق مهرجانا قويا، لكن مجرد إقامة المهرجان قد لا تعني شيئا حقيقيا لصناعة السينما في بلده، فالأهم هو نوايا من يقومون على المهرجان.
أين مهرجان القاهرة من ذلك كله؟ للأسف الشديد، وفي ظل سياسة كانت ترى الثقافة نوعا من "الضجيج" لا أكثر، فقد انصب اهتمام القائمين على المهرجان على "السجادة الحمراء" وملابس النجمات وحفلات العشاء فوق مركب نيلية!! ولعلك عزيزي القارئ تتذكر كيف أن منظمي المهرجان تنتابهم الحيرة كل عام حين يبحثون عن فيلم يمثل مصر فلا يجدون، فلا المهرجان أفاد صناعة السينما المصرية أو ساعد على تقدمها قيد أنملة، ولا استفاد الفنانون المصريون أنفسهم من إقامة المهرجان، سواء من ناحية زيادة اطلاعهم وعمق ثقافتهم بالفرجة على أفلام ذات مستوى عالمي متميز، أو بخلق فرص عمل لهم في السينما العالمية.
إننا نتوقف كل عام عند دعوة بعض "النجوم والنجمات" من هنا وهناك، ودون أن تكون هناك معايير لهذا الاختيار على الإطلاق. قل لي بالله عليك ما هي العلاقة بين دعوة ريتشارد جير في أحد الأعوام (لتتوقف مذيعات التليفزيون عند سحره الجنسي!!) وجون مالكوفيتش في عام آخر، فالأول نجم بالمعايير التجارية للسينما، بينما الثاني ممثل مغامر في مغامرات فنية بعيدة عن النوعية التجارية؟ ومن الملاحظات المدهشة بحق هي دعوة نجوم توقفوا عن صنع السينما منذ فترة، مثل صوفيا لورين وألان ديلون وكلوديا كاردينالي، ناهيك عن باد سبينسر نجم "الترسو" في مصر منذ ثلاثة عقود!! لقد جاء الممثل مورجان فريمان إلى مصر ولم نسأله أبدا عن نشاطه في جمعيات حقوق الإنسان، كما جاء المخرجان إيليا كازان وأوليفر ستون دون أن يزيدنا ذلك – على المستوى الجماهيري – ثقافة ومعرفة بأفلامهما.
هل جاء هؤلاء حبا في السينما المصرية ومهرجان القاهرة؟ في الحقيقة أن أي نجم يأتي في إطار "البيزنيس"، حيث هناك مقابل مادي مدفوع، ناهيك عن زيارة للمعالم الأثرية يزيد من إغرائها أن توقيت المهرجان يأتي في شتاء مصر الدافئ، لكن هل استثمرنا ذلك حقا في تعريفهم بالسينما المصرية؟ هل أقنعناهم بأن من الممكن الدخول في إنتاج مشترك حتى بتوفير أماكن التصوير؟
للأسف مرة أخرى: ليس هذا واردا على الإطلاق في ذهن القائمين على مهرجان القاهرة، الذين لا يهتمون إلا بالمغانم التي يحصلون عليها منه. لذلك فإنهم لا يهتمون مطلقا بأن يقام أم لا، ما دامت مرتباتهم وامتيازاتهم تسير كما هي، لكننا نقدم طرحا بديلا: المهرجان هو السينما أولا، وإذا كانت هناك ظروف تعوق إقامته كما كان يقام كل عام فربما كان ذلك حلا عبقريا، ألا يقام كما كان يقام كل عام، حيث يمكن الاستغناء عن كل من يستفيد منه بشكل شخصي دون أن يفيد السينما شيئا. اعرضوا الأفلام، فهذا هو مهرجانها، وليس مهرجان السجادة الحمراء!!
Subscribe to:
Post Comments (Atom)
No comments:
Post a Comment