كانت قوات الاحتلال الإسرائيلى – وحتى كتابة هذه السطور - تشن إحدى غاراتها الوحشية فى الضفة الغربية، وعلى مدينة نابلس بوجه خاص، بينما كانت هوليوود تقيم الأفراح والليالى الملاح فيما يسمى "حفل الأوسكار" لتوزع فيه الجوائز على نفسها، وكانت المفارقة أن يحصل على جائزة أفضل فيلم روائى قصير فيلم يحمل اسم "قصة الضفة الغربية"، وكما يمكن للقارىء أن يخمن من اسمه فالفيلم بالفعل يحاول أن يحاكى التيمة الرئيسية لفيلم "قصة الحى الغربى"، المأخوذ بدوره عن حدوتة "روميو وجولييت" الشهيرة، التى يعرف القاصى والدانى أنها تدور عن الحب الذى نجح بعد تضحيات دموية فادحة فى أن يزيل تاريخاً من العداوة بين عائلتين.
فى "روميووجولييت" قفز شكسبير على أسباب هذه العداوه ليجعلها أقرب إلى العواطف الإنسانية فى شكلها المجرد الأنقى، وفى "قصة الحى الغربى" كان الصراع بين الأعراق المختلفة فى أمريكا، أما فى "قصه الضفة الغربية" فلا يحتاج الأمر لكثير من الجهد لكى يعرف المتفرج والقارئ أن صانعى الفيلم يلفون ويدورون حول الصراع العربى الإسرائيلى، وقبل أن أشاهد الفيلم أدركت ذلك القدر الهائل من الاستخفاف بالقضية حتى تتحول إلى قصة حب بين فلسطينى وإسرائيلية أو العكس (وإن كان هناك فرق بين الأمرين كما سوف نتطرق إليه لاحقاً)، غير أن المرارة فى أعماقى بلغت أقصى مداها عندما قرأت حواراً مع المخرج أرى صندل – المنحدرمن أب اسرائيلى وأم أمريكية - وهو يحكى بفخر عن اشتراكه فى مهرجان دبى، والنجاح "الشعبى" الذى ناله عند عرض الفيلم، وبعد أن نجح الفيلم ومخرجه فى إزالة الحاجز النفسى عند المتفرجين العرب، ولا أدرى كيف تسلل الفيلم إلى مهرجان عربى، وإذا كانت الذريعة أنه أمريكى الإنتاج فكيف –والأهم هو لماذا- فات على النقاد العرب الذين حضروا "ليالى" المهرجان آنذاك رسالة الفيلم التى يمكن وصفها – بافتراض أحسن النوايا - بتسطيح القضية، فذلك دليل يبعث على التشاؤم على أن وعينا ووجداننا القومى – وأكاد أقول الإنسانى –يعانى من التدهور والتآكل على نحو لم يسبق له مثيل.
كنت أتصور أن مثل هذه المعالجة تقف عند حدود السطحية حتى شاهدت الفيلم، المتوافر على شبكة الإنترنيت لمن يريد أن يرى ويعرف، فإذا بمشاعر الصدمة تجتاحنى، فهذه ليست مجرد سطحية أو سذاجة، لكنها تشويه متعمد للوعى فى مرحلة كادت فيها الألفاظ أن تفقد معناها، ليس فى محيطنا فقط وإنما فى العالم كله، وهكذا يتاح للسيد صندل – وعائلته التى اشتركت فى جميع عناصر فيلم تخرجه – أن يعيد من جديد إنتاج المفاهيم المغلوطة حول الصراع العربى الإسرائيلى بأنه صراع الجيران وأولاد العم، وأرجو أن تتأمل ما صرح به فى حوار له حول جذور فكرة الفيلم، إذ يقول أنه سأل نفسه ذات يوم: "ماذا يجمع بين اليهود والعرب ويمكن أن يجعلهم يقفون على أرض واحدة؟ إنها شراهتهم وحبهم للطعام"!! هكذا!! لكن السيد صندل لم يسأل نفسه أبداً: "وما الذى يفرق بينهم إذن؟!، أو ما معنى ألا نسمى الأشياء بأسمائها فتقول أنه صراع ليس بين اليهود والعرب، بل بين الصهاينة والعرب، فصراعنا ليس مع ديانة أو ضد أصحاب هذه الديانة، وأرجو – أعيدها مرة عاشرة على هذه الصفحات - أن يترجم أحد المتخصصين بحثاً للكاتبة إيللا شوهات، التى تقول أنها تنحدر من أصول يهودية يمنية، لكنها عندما ذهبت وعائلتها إلى إٍسرائيل اكتشف أن الكيان الصهيونى قد سرق منها هويتها وأصلها العربى.
كتبت إيللا شوهات أيضاً كتاباً عن السينما الإسرائيلية، ظهرت له ترجمتان الأولى حرفية للناقد الجاد محمود على، والأخرى ملخصة لكاتب هذه السطور، تؤكد فيه شوهات أن السينما الإسرائلية – مثلها مثل الكيان الصهيونى نفسه - تسرق هوية الشخصية العربية عندما تعطى لليهود الشرقيين دور العرب فى الأفلام، هذا ما حدث مرة أخرى مع الفيلم "الأمريكى" مجازاً "قصة الضفة الغربية"، فليس هناك من بين صناعه أى فنانين عرب للأدوار العربية، وكلهم يحملون أسماء إسرائيلية حتى لو كانت الشخصية تدعى فاطمة أو أحمد. كعمل فنى يبدو الفيلم – الذى لا يزيد إلا قليلاً عن عشرين دقيقة - نمرة غنائية راقصه متصلة بلا توقف فيها ملامح عديدة من كوريوجرافى "قصة الحى الغربى"، تحكى عن صراع بين مطعم عربى للحمص يديره أحمد (جوى نابير) ومطعم إسرائيلى للفلافل يديره آرييل (إيه جية تانين) (لقد سرقوا الفلافل منا أيضاً، كما سرقوا موسيقانا والفلكولور الخاص بنا ونسبوه لأنفسهم!!)، ويظل الصراع بين المطعمين المتواجهين يتصاعد فى "سيمترية" ساذجة، حتى أن الشاشة تنقسم بين الجانبين ليمضى الفيلم إلى "إيفية" صراع كل جانب حول مكان كل منهما فى الكادر (ظريف؟! أليس كذلك؟!)، ناهيك عن الخلط بين كلمة "حمص"و "حماس"، وإذ يهدد الصراع فى النهاية بدمار الجانبين، حتى بعد بناء "جدار" يفصل بينهما، فإن قصة حب تندلع فجأة بالنظرات و" النحنحة" بين الجندى الإٍسرائيلى الشاب ديفيد (بين نيومارك) وفاطمة شقيقة أحمد (نورين ديولف)، وكما يقول أحد النقاد الأمركيين فإنه حب غير مبرر يندلع فيما يبدو من النصف الأسفل من الجسم، لكن لا مانع من مشهد الشرفة الشهير يعبر فيه ديفيد عن حبه، لكنها تطلب منه أولاً تحقيق السلام!! ياسلام!!
أرجو أن يلاحظ القارىء والمتفرج أن العلاقة هنا هى بين الرجل/الجندى الإسرائيلى والمرأة/العاملة اليدوية العربية، وأترك لأهل الاختصاص فى علم الدلالة استنباط ما وراء هذا الاختيار الدرامى لتجسيد الشخصيات، لكن النهاية سوف تأتى عندما نرى الجندى – الذى يحب على روحه لدرجة أنه لا يلتفت إلى "انتحارى" يمر إلى جواره ويرحب بمروره!- وهو يزيل بيده الجدار، الذى تقف وراءه فاطمة، ويقرر صاحبا المطمعين المشاركة فى خدمة الزبائن الإسرائليين والفلسطنيين الذين يقفون فى طابور واحد، بينما تتساءل فاطمة إن كانت قصة حبها لديفيد سوف تنتهى نهاية سعيدة، فيجيبها أنه سوف يأخذها إلى مكان يتعايش فيه اليهود والمسلمون فى هارمونية، فى بيفرلى هيلز (فى هوليوود: السينما والمكان؟!). ياسيد ديفيد: فلتعد من حيث أتيت، أما نحن فباقون على أرضننا ، لا نفرق مثلكم بين البشر على الهوية الدينية أو العنصرية، والمعركة بيننا وبين الصهونية ليست معركة سخيفة بين الحمص والفلافل فكلاهما لنا إن لم تكن تعرف، والأرض لنا، والحضارة العربية لنا ومن بين علاماتها إسهامات يهود عرب، ولتقرأ للكاتبة المرموقة إيللا شوهات الأستاذة فى جامعة نيويورك، أو للكاتب اليهودى عراقى الأصل نعيم جيلادى، أو الكاتب اليهودى اليمنى يوسف زوريل، لكى تعرف أن ما يجمعنا مع "اليهود العرب" (فالعربية ليست نقيض اليهودية) ليس حب الطعام بل حب الحياة، لكن ما يفصلنا عن "الصهاينة" هو أننا نؤمن بحضارة إنسانية شديدة الرحابة، بينما تعتبر الصهيونيه أسوأ وصمة فى تاريخ الإنسانية، لأنها ببساطة تفصل بين بنى آدم على أساس دياناتهم، ولأنها تقوم على كراهية واحتقار البشر، ونحن سوف نرتكب أسوأ الجرائم ليس فى حقنا فقط بل فى حق الإنسانية إن قبلنا - بأى شكل كان - التعايش مع إسرائيل والصهيونية.
فى "روميووجولييت" قفز شكسبير على أسباب هذه العداوه ليجعلها أقرب إلى العواطف الإنسانية فى شكلها المجرد الأنقى، وفى "قصة الحى الغربى" كان الصراع بين الأعراق المختلفة فى أمريكا، أما فى "قصه الضفة الغربية" فلا يحتاج الأمر لكثير من الجهد لكى يعرف المتفرج والقارئ أن صانعى الفيلم يلفون ويدورون حول الصراع العربى الإسرائيلى، وقبل أن أشاهد الفيلم أدركت ذلك القدر الهائل من الاستخفاف بالقضية حتى تتحول إلى قصة حب بين فلسطينى وإسرائيلية أو العكس (وإن كان هناك فرق بين الأمرين كما سوف نتطرق إليه لاحقاً)، غير أن المرارة فى أعماقى بلغت أقصى مداها عندما قرأت حواراً مع المخرج أرى صندل – المنحدرمن أب اسرائيلى وأم أمريكية - وهو يحكى بفخر عن اشتراكه فى مهرجان دبى، والنجاح "الشعبى" الذى ناله عند عرض الفيلم، وبعد أن نجح الفيلم ومخرجه فى إزالة الحاجز النفسى عند المتفرجين العرب، ولا أدرى كيف تسلل الفيلم إلى مهرجان عربى، وإذا كانت الذريعة أنه أمريكى الإنتاج فكيف –والأهم هو لماذا- فات على النقاد العرب الذين حضروا "ليالى" المهرجان آنذاك رسالة الفيلم التى يمكن وصفها – بافتراض أحسن النوايا - بتسطيح القضية، فذلك دليل يبعث على التشاؤم على أن وعينا ووجداننا القومى – وأكاد أقول الإنسانى –يعانى من التدهور والتآكل على نحو لم يسبق له مثيل.
كنت أتصور أن مثل هذه المعالجة تقف عند حدود السطحية حتى شاهدت الفيلم، المتوافر على شبكة الإنترنيت لمن يريد أن يرى ويعرف، فإذا بمشاعر الصدمة تجتاحنى، فهذه ليست مجرد سطحية أو سذاجة، لكنها تشويه متعمد للوعى فى مرحلة كادت فيها الألفاظ أن تفقد معناها، ليس فى محيطنا فقط وإنما فى العالم كله، وهكذا يتاح للسيد صندل – وعائلته التى اشتركت فى جميع عناصر فيلم تخرجه – أن يعيد من جديد إنتاج المفاهيم المغلوطة حول الصراع العربى الإسرائيلى بأنه صراع الجيران وأولاد العم، وأرجو أن تتأمل ما صرح به فى حوار له حول جذور فكرة الفيلم، إذ يقول أنه سأل نفسه ذات يوم: "ماذا يجمع بين اليهود والعرب ويمكن أن يجعلهم يقفون على أرض واحدة؟ إنها شراهتهم وحبهم للطعام"!! هكذا!! لكن السيد صندل لم يسأل نفسه أبداً: "وما الذى يفرق بينهم إذن؟!، أو ما معنى ألا نسمى الأشياء بأسمائها فتقول أنه صراع ليس بين اليهود والعرب، بل بين الصهاينة والعرب، فصراعنا ليس مع ديانة أو ضد أصحاب هذه الديانة، وأرجو – أعيدها مرة عاشرة على هذه الصفحات - أن يترجم أحد المتخصصين بحثاً للكاتبة إيللا شوهات، التى تقول أنها تنحدر من أصول يهودية يمنية، لكنها عندما ذهبت وعائلتها إلى إٍسرائيل اكتشف أن الكيان الصهيونى قد سرق منها هويتها وأصلها العربى.
كتبت إيللا شوهات أيضاً كتاباً عن السينما الإسرائيلية، ظهرت له ترجمتان الأولى حرفية للناقد الجاد محمود على، والأخرى ملخصة لكاتب هذه السطور، تؤكد فيه شوهات أن السينما الإسرائلية – مثلها مثل الكيان الصهيونى نفسه - تسرق هوية الشخصية العربية عندما تعطى لليهود الشرقيين دور العرب فى الأفلام، هذا ما حدث مرة أخرى مع الفيلم "الأمريكى" مجازاً "قصة الضفة الغربية"، فليس هناك من بين صناعه أى فنانين عرب للأدوار العربية، وكلهم يحملون أسماء إسرائيلية حتى لو كانت الشخصية تدعى فاطمة أو أحمد. كعمل فنى يبدو الفيلم – الذى لا يزيد إلا قليلاً عن عشرين دقيقة - نمرة غنائية راقصه متصلة بلا توقف فيها ملامح عديدة من كوريوجرافى "قصة الحى الغربى"، تحكى عن صراع بين مطعم عربى للحمص يديره أحمد (جوى نابير) ومطعم إسرائيلى للفلافل يديره آرييل (إيه جية تانين) (لقد سرقوا الفلافل منا أيضاً، كما سرقوا موسيقانا والفلكولور الخاص بنا ونسبوه لأنفسهم!!)، ويظل الصراع بين المطعمين المتواجهين يتصاعد فى "سيمترية" ساذجة، حتى أن الشاشة تنقسم بين الجانبين ليمضى الفيلم إلى "إيفية" صراع كل جانب حول مكان كل منهما فى الكادر (ظريف؟! أليس كذلك؟!)، ناهيك عن الخلط بين كلمة "حمص"و "حماس"، وإذ يهدد الصراع فى النهاية بدمار الجانبين، حتى بعد بناء "جدار" يفصل بينهما، فإن قصة حب تندلع فجأة بالنظرات و" النحنحة" بين الجندى الإٍسرائيلى الشاب ديفيد (بين نيومارك) وفاطمة شقيقة أحمد (نورين ديولف)، وكما يقول أحد النقاد الأمركيين فإنه حب غير مبرر يندلع فيما يبدو من النصف الأسفل من الجسم، لكن لا مانع من مشهد الشرفة الشهير يعبر فيه ديفيد عن حبه، لكنها تطلب منه أولاً تحقيق السلام!! ياسلام!!
أرجو أن يلاحظ القارىء والمتفرج أن العلاقة هنا هى بين الرجل/الجندى الإسرائيلى والمرأة/العاملة اليدوية العربية، وأترك لأهل الاختصاص فى علم الدلالة استنباط ما وراء هذا الاختيار الدرامى لتجسيد الشخصيات، لكن النهاية سوف تأتى عندما نرى الجندى – الذى يحب على روحه لدرجة أنه لا يلتفت إلى "انتحارى" يمر إلى جواره ويرحب بمروره!- وهو يزيل بيده الجدار، الذى تقف وراءه فاطمة، ويقرر صاحبا المطمعين المشاركة فى خدمة الزبائن الإسرائليين والفلسطنيين الذين يقفون فى طابور واحد، بينما تتساءل فاطمة إن كانت قصة حبها لديفيد سوف تنتهى نهاية سعيدة، فيجيبها أنه سوف يأخذها إلى مكان يتعايش فيه اليهود والمسلمون فى هارمونية، فى بيفرلى هيلز (فى هوليوود: السينما والمكان؟!). ياسيد ديفيد: فلتعد من حيث أتيت، أما نحن فباقون على أرضننا ، لا نفرق مثلكم بين البشر على الهوية الدينية أو العنصرية، والمعركة بيننا وبين الصهونية ليست معركة سخيفة بين الحمص والفلافل فكلاهما لنا إن لم تكن تعرف، والأرض لنا، والحضارة العربية لنا ومن بين علاماتها إسهامات يهود عرب، ولتقرأ للكاتبة المرموقة إيللا شوهات الأستاذة فى جامعة نيويورك، أو للكاتب اليهودى عراقى الأصل نعيم جيلادى، أو الكاتب اليهودى اليمنى يوسف زوريل، لكى تعرف أن ما يجمعنا مع "اليهود العرب" (فالعربية ليست نقيض اليهودية) ليس حب الطعام بل حب الحياة، لكن ما يفصلنا عن "الصهاينة" هو أننا نؤمن بحضارة إنسانية شديدة الرحابة، بينما تعتبر الصهيونيه أسوأ وصمة فى تاريخ الإنسانية، لأنها ببساطة تفصل بين بنى آدم على أساس دياناتهم، ولأنها تقوم على كراهية واحتقار البشر، ونحن سوف نرتكب أسوأ الجرائم ليس فى حقنا فقط بل فى حق الإنسانية إن قبلنا - بأى شكل كان - التعايش مع إسرائيل والصهيونية.