Monday, October 19, 2015

بمناسبة فوز الفيلم بـ90 فى المائة من جوائز المهرجان القومى



                                            فيلم "الفيل الأزرق"
                                  بهلوانيات الشكل، وسذاجة المضمون                                                  

فاز فيلم "الفيل الأزرق" ببضع جوائز سينمائية محلية فى مسابقات من الدرجة الثانية، وقيل إنه قد حصد قدرا هائلا من أرباح الإيرادات، وبلغ عدد متفرجيه الملايين، وكتب عنه العديد من النقاد الكثير من كلمات الإطراء والمديح، لكنه مع ذلك كله ليس إلا فقاعة لا يبقى منها شيء يستحق أن يعيش فى تاريخ السينما المصرية، ليس فقط بسبب اعتماده على رواية أحمد مراد التي تخلو من الانتساب إلى الأدب الحقيقى، ولكن لأن المخرج مروان حامد يفتقد بدوره كثيرا من فهم طبيعة الإخراج، وفي فيلميه السابقين "عمارة يعقوبيان" و"ابراهيم الابيض" كان يتاح له دائما الاستعانة بأطقم أجنبية من فناني وفنيي "الوحدة الثانية"، المسئولين في العادة عن تنفيذ المشاهد المبهرة، أما الأجزاء الدرامية (والتي تشكل جوهر أي فيلم) فتظل رتيبة عقيما مكررة وبلا روح، وربما غامضة أيضا.
والغموض المفتعل هو سمة فيلم "الفيل الأزرق"، المأخوذ عن رواية بنفس الاسم للكاتب الذي ذاع صيته مؤخرا ويدعى أحمد مراد، وهو نفسه الذي كتب سيناريو وحوار الفيلم، بما لا يمكنك أن تنفي عنه مسئولية ما انتهت إليه روايته على الشاشة، في فيلم من ساعتين ونصف، يمكنك اختصارها إلى نصف ساعة فقط. ورواية أحمد مراد ليست إلا تقليدا ممسوخا لروايات الكاتب والقاص الأمريكي غزير الإنتاج ستيفن كينج، صاحب قصص عشرات  الأفلام مثل "كاري" و"التماع" و"النافذة السرية"، والذي يعتمد على "توليفة" يكررها دائما وتعجب جمهوره، مؤلفة من حبكة غامضة ينجلي غموضها شيئا فشيئا، عندما ينحو إلى تفسيرها بإحدى الظواهر غير الطبيعية أو المريضة نفسيا.
تأمل على سبيل المثال فيلمه "النافذة السرية" (2004)، الذي يحكي عن كاتب (جوني ديب) لجأ إلى منطقة مهجورة، بحثا عن الخلاص من أزمة نفسية جعلته يتوقف عن الإبداع، لكن رجلا غامضا (جون تورتورو) يظهر له، ويطرق على بابه كل مساء، مدعيا أنه صاحب الروايات الأصلية التي ينسبها الكاتب لنفسه. وبعد أن يضرب المتفرج أخماسا في أسداس حول تلك العلاقة المبهمة، يقول لك ستيفن كينج أن بطل الرواية يعاني من ازدواج الشخصية (السكيزوفرينيا)، وأنه ومطارده الغامض ليسا إلا شخصا واحدا، أو قل إن هذا المطارد يمثل الجانب غير الواعي من النفس البشرية.
وبرغم هذا المفهوم الروائي أو السينمائي بالغ السذاجة حول ازدواج الشخصية، أو ربما بسبب هذا المفهوم، فإنه يصبح صالحا تماما لإضافة الكثير من التفاصيل (أغلبها ليس لها علاقة حتى بالعالم الفني)، والتي تشكل شبكة تحيط بالمتلقي وتوقعه في حبائلها. وهذا ما حدث تماما في فيلم "الفيل الأزرق"، الذي "يفترض" أنه يحكي عن الطبيب النفسي يحيى (كريم عبد العزيز)، الذي غاب عن عمله لسنوات خمس طويلة، بعد مصرع زوجته وطفله في حادث سيارة، ليزاول العمل من جديد في مستشفى الأمراض النفسية، حيث يجد زميله القديم شريف (خالد الصاوي)، المتهم بقتل زوجته وطفله (أيضا!!)، والمصاب بازدواج الشخصية السينمائي إياه، ويذكرك لقاؤهما الأول بالفيلم الأمريكي الشهير "صمت الحملان". ويظل الفيلم يراواح نفس المكان المرة بعد الأخرى، حيث يلتقي يحيى وشريف، ليستطردا في مشاهد حوارية طويلة ومملة (برغم أنه يفترض أنها تثير فضول المتفرج). ناهيك عن خيط قصصي يتحدث عن حب بين يحيى ولبنى (نيللي كريم)، شقيقة شريف، دون أن تعرف أنت على وجه اليقين ما علاقتها "الفنية" بالحبكة. وأخيرا هناك أيضا حديث عن صانعة الوشم أو "التاتو" (شيرين رضا)، التي رسمت وشما على جسد شريف، سوف يتسبب في أن روحا شيطانية أو "عفريتا" قد ركبه، وانتهى به إلى هذه الحال.
عبثا سوف تسأل نفسك: وما علاقتي أنا المتفرج بهذا العالم؟ فكل عمل فني يفترض أن يحقق نوعا من التوحد – أو التعاطف على الأقل – مع شخصية ما داخل العالم الفني، ليتحقق لك الخوف على البطل أو البطلة، ورغبتك في أن يتخلصا من أزمتهما، وفرحك عندما يتخلصان منها، لكن ليس هنا شيء من ذلك على الإطلاق، فكل ما يحدث على الشاشة يحدث لأناس لا يهمك أمرهم، أناس مصطنعين مفتعلين لصنع رواية وفيلم زائفين. والزيف يأتي كما أشرنا من قبل إلى تقليد الكاتب أحمد مراد لستيفن كينج وأمثاله من أصحاب الروايات الأكثر مبيعا في أمريكا، كما يأتي الزيف أيضا من محاولة المخرج مروان حامد تقليد الشكل الأمريكي في الأفلام التي يفترض فيها أن تدور حول العوالم النفسية.
الغريب أن تقليد كل منهما – الكاتب والمخرج – يأتي على طرف نقيض من الآخر، دون وعي منهما معا بذلك الخلط الأسلوبي، عندما يعتمد الأول على المشاهد الحوارية شديدة الإثارة للملل، والتي تحكي بالكلمات ما كان ينبغي حكايته بالصورة، بينما يعتمد الثاني على بهلوانيات سينمائية في مشاهد أخرى، غارقة في الظلام أحيانا، أو في ضوء يعمي الأبصار أحيانا أخرى، وحركات كاميرا أفعوانية، ومونتاج لا يترك لك وقتا لكي تدرك ما تراه على الشاشة، وهو يبرر ذلك بالطبع بأنها "الهلوسات"، التي لن ندري أحيانا إن كانت تدور في العالم النفسي ليحيى أو شريف، أو لهما معا باعتبار أنهما شخص واحد.
ولعلك تذكر مسلسلا رمضانيا حمل عنوان "اسم مؤقت"، فقد كان بدوره يحكي عن بطل يمر خلال تسع وعشرين حلقة بسلسلة من المغامرات القاتلة الغامضة، ليفاجئك صناع المسلسل في الحلقة الثلاثين (بطريقة "وضحكت عليك") بأن كل ما رأيته ليس إلا تهاويم تدور في نفس رجل مريض نفسيا. كما قد تتذكر أيضا مسلسل "السبع وصايا"، الذي لم يحفل صناعه ولو للحظة واحدة بتقديم تفسير فني أو منطقي واحد للغموض المفتعل الذي قدموه، ناهيك أيضا عن الحديث عن الجن والعفاريت وأمور السحر والشيطنة. وسوف تسأل نفسك: ما علاقة هذه الأعمال بعضها ببعض؟ وما هي الرسالة التي تريد أن تنقلها لنا؟ وهل هي تتحدث عن واقع يخصنا، أو تحاول أن تدفعنا للحياة والتفكير في عالم وهمي زائف؟ أو فلتقل في نهاية الأمر: هل لكل ذلك علاقة بالفن، أم أنه من أعمال الحواة وخفة اليد؟
ومن مظاهر خفة اليد في فيلم "الفيل الأزرق" الإغراق في التفاصيل غير ذات العلاقة من قريب أو بعيد، وحتى عنوان الفيلم، الذي يقولون لك أن يشير إلى نوع من الأقراص تتيح لمتعاطيها الغرق في بحار الهلوسة، هو أمر بلا أى معنى، وخذ بالك من أن الفيلم يشرح للبطل (الطبيب النفسي) عن طريق عشيقته ما هو هذا الدواء، كأنه يسمع عنه للمرة الأولى (!!)، وفي الحقيقة أن الفيلم يريد أن يشرح لك سبب تلك المشاهد شبه الكابوسية، والمضحكة، التي استمتع صناع الفيلم بتنفيذها. وهناك أيضا حديث لا ندري علاقته بالموضوع، حول ممارسة يحيى للعب القمار، ودراسته للغة الجسد!! وأضف إلى ذلك أيضا ثرثرة حول "حساب الجُمّل" الذي يعطي حروف الكلمات العربية أرقاما، أو تناسخ الأرواح (أو الأجساد؟)، وقدرة شريف على إيقاف نبض قلبه!! وإذا تحدثنا عن تفاصيل أخرى، فيمكنك أن تسأل المخرج من ومتى وكيف تتم حلاقة رأس المريض شديد الخطورة شريف على هذا النحو، بحيث يبدو دائما خارجا لتوه من "صالون" الحلاقة؟!
أخيرا، هل تجعل القصص الساذجة مفتعلة الغموض صاحبها "أديبا"؟ وهل يمكن إطلاق صفة "مخرج" على من يأتي بفنيين ينفذون له مشاهد الرعب (كما فعل في مشاهد الأكشن في "ابراهيم الابيض")، لكي يكتفي هو بوضع موسيقى لا تتوقف على شريط الصوت، بينما يقوم بتصوير المشاهد الحوارية الطويلة بأقصى ما يستطيع من التقليدية المملة؟ وهل يبدو في ذلك كله أن السينما المصرية سوف تخرج من أزمتها الإبداعية؟ للأسف فإن الإجابة الوحيدة على كل هذه الأسئلة هي: لا!!    

No comments: