كان عالم الاجتماع المصرى الدكتور سيد عويس يستخدم دائما
مصطلح "القادة الثقافيين"، ولم يكن يقصد هؤلاء الذين يجلسون فى قاعات
مغلقة فى مجالس الثقافة العليا، ويتحدثون بما لا يعنى أو يفيد القطاع الأكبر من
الناس، بل كان يشير بهذا المصطلح إلى نجوم المجتمع، الممثلين والممثلات، والمذيعين
والمذيعات، والمطربين والمطربات، بالإضافة بالطبع لمن يسمون أنفسهم رياضين، فهؤلاء
هم الذين يؤثرون حقا فى الجماهير، التى تقلدهم أحيانا بشكل لا شعورى، لعلهم يشعرون
فى قرارة أنفسهم أنهم يشاركونهم الشهرة والنجاح الاجتماعى.
اضطررت مؤخرا إلى العودة إلى الاستماع إلى الراديو مجددا،
غالبا بسبب انقطاع الكهرباء، وكان الراديو فى سالف الأيام رفيقى الدائم، غير أن
رفاقا جددا احتلوا مكانه فانشغلت عنه. ومع عودتى إلى الراديو شعرت بصدمة عميقة،
أغلبها من "طفرة جينية" فيما يبدو قد حدثت لكائناتنا الإذاعية، فى
المحطات الخاصة على نحو خاص، فقد وجدتهم ينطقون كلمات يفترض أنها باللغة العربية،
لكنها تبدو أقرب إلى من يتحدث وهو يضع "زلطة" فى فمه، الحروف مدغومة لا
تكاد أن تتبين من بينها معنى واضحا، وهى تنطلق من أفواههم بسرعة صاروخية فتزيدها
إبهاما، فتحسرت على زمن كان فيه المذيعون ينطقون العربية بفصاحة بالغة.
مكمن الخطر فى ذلك هو أن الأجيال الجديدة سوف تتصور أن
تلك هى اللغة، لنكتشف فجأة – كما يحدث دائما – بعد سنوات أن العربية قد اختفت.
ويتضاعف الخطر بالطبع عندما يمتد هذا العبث (أو الجهل) باللغة إلى الصحافة. لكن
هناك وجها مريرا آخر للتأثير السلبى لهؤلاء القادة الثقافيين، فإذا كانت الأجيال
القديمة أحبت جيلا بعد الآخر بطريقة أم كلثوم أو عبد الحليم، فقد زادت صدمتى
الحضارية مع أغنية حديثة تقول: "وإذا كنت باقول إنى باحبك أنا ما باهزرش،
والعرض اللى باقدمهولك ده ما يتعوضش"، فكأن "الحب" قد تحول إلى
"حب محمول بالكارت أو الخط"، ليصبح سلعة عليك أن تستفيد من مواسم
"الأوكازيون" فيها.
ماذا حدث لنا؟ هل نضبت العواطف إلى هذا الحد، كما ضاعت
اللغة على أيدى قادتنا الثقافيين؟ ومن أو ما الذى أدى بها إلى هذا النضوب؟ هناك
جريمة صامتة ترتكب كل يوم، يحدث فيها لثقافتنا ومشاعرنا نوع من التآكل كل يوم، لنصحو
يوما لنجد أنفسنا أشبه بكائنات بعض روايات كافكا، أو المسوخ المسخوطة فى حواديت
ألف ليلة وليلة.
1 comment:
هذه مقالة جميلة جدا
Post a Comment