Friday, September 05, 2014

حكايات نقدية ذات مغزى!

الحكاية رقم (1):
فى أواخر الستينيات، نشرت مجلة الكواكب سلسلة حلقات، لعمل اسمه مسرحية "الهواء الأسود"، وأشارت إلى أن أحمد رجب قام بترجمة هذه المسرحية من تأليف الكاتب فريدريش دورينمات. خلال هذه الفترة كان مسرح العبث هو "موضة" المثقفين، الذين يكتبون مقالات طويلة فى إطراء أعمال صمويل بيكيت، مثل "فى انتظار جودو"، أو أعمال يوجين أونيسكو، مثل "المغنية الصلعاء".
لذلك لم يكن غريبا بالطبع أن يسارع كثير من كبار نقادنا آنذاك إلى تحليل "الهواء الأسود"، يسبرون أغوارها ويكشفون أسرارها للقارئ الذى يعجز عن "فهم" هذا الفن، ذى المستوى المرتفع عن مدارك المتلقين العاديين. ليكشف أحمد رجب بعد ذلك مفاجأته: المسرحية من بنات تفكيره، وقد تعمد حشوها بالكثير من الهذيان غير المفهوم.
الحكاية رقم (2):
هذه المرة كانت عبارة عن "نكتة" فى رسم كاريكاتير لصلاح جاهين. ففى بداية السبعينيات شب حريق فى مبنى "مسرح الجيب"، الذى كان متخصصا فى تقديم مسرحيات اللامعقول. وفى هذا الرسم تبدو ألسنة اللهب آتية من خشبة المسرح، وليس فى الصالة غير شخصين، أحدهما يحاول الهرب بينما يمسك به الآخر قائلا: "أقعد يا أخى أحسن ده يطلع جزء من العرض"، وفوق هذا الشخص كلمة تشير إلى أنه ناقد.
الحكاية رقم (3):
فى مطلع القرن الحادى والعشرين، ظهر فيلم مصرى بالغ التعقيد والفتور معا، ليس فيه أى نوع من أنواع المتعة، البسيطة أو المثقفة، وكتب صاحب هذه السطور كلمات يعتذر بها للقارئ أنه لم "يفهم" الفيلم. لكن المخرج المؤلف كان قد عقد مقابلات صحفية عديدة، تحدث فيها عما يخفيه فى أعماق فيلمه، وكشف لنا المفاجأة: الفيلم عن "البوح"، وهكذا ظهرت عشرات المقالات التى كررت جميعا أن الفيلم عن "البوح"، ولم يستخدم أى منها مرادفا آخر مثل "المصارحة مع النفس" أو "الإفصاح عما تواضعنا على إخفائه"، ومع ذلك ظل الفيلم، حتى هذه اللحظة، لا يقول شيئا، ومعقدا على نحو مفتعل، ولا يوجد سبب واحد يدفع المتفرج لمشاهدته.
المغزى:
لا تصدق أيها القارئ العزيز كل ما يكتب عن الأعمال الفنية، فالكثير منها ناتج عن علاقات شخصية ومجاملات متبادلة، والناقد لا "يفهم" أفضل منك، وقد يزعم أنه كذلك لكنه لن يجعلك "تستمتع" بعمل يخلو من المتعة. فأنت فى النهاية من يتذوق "الطبخة"، فلا تأكل ما لا يقبله ذوقك، أما المعجبون بها فليأكلوها وحدهم، بألف هنا وشفا.                                                

No comments: