Saturday, July 09, 2011

رمضان هذا العام بدون مولد المسلسلات وذلك أفضل جدا!!



هل يمكن أن تتصور أن رمضان سوف يأتي هذا العام بدون المسلسلات والبرامج إياها؟ ربما يبدو ذلك للبعض نوعا من افتقاد شهر رمضان للبهجة التي اعتادوا عليها، لكن إجابتنا عليهم ببساطة أن أشكال البهجة الرمضانية تتغير عبر الزمن، وأبناء الجيل القديم يتذكرون - بقدر كبير من الحنين - كيف كانوا بقضون ليالي رمضان في السهر والسمر، الذي يشتركون فيه بنشاطات فنية عفوية يؤدونها، كما أن أجيالا لاحقة لديها ذكرياتها مثلا مع فوازير نيللي أو شيريهان، ولم يحدث شيء عندما اختفى كل ذلك، فقد ظل رمضان يأتي، وظل الشعب العربي قادرا على ابتداع أشكال جديدة من البهجة والاحتفال.
نستطيع الآن أن نقول - ونحن نتأمل عاما مضى - أن شهر رمضان الماضي كان يؤذن بأن هناك تغييرا قادما لا محالة، وعلى هذه الصفحات من العام الماضي تساءلنا: هل لم يبق في بلادنا غير "العوالم" والراقصات اللائي نصنع لهن برامج حوارية في كل القنوات دون استثناء، حيث تتهم فيها الواحدة الأخرى فترد عليها تلك باتهام أفظع؟ كانت سياسة الإلهاء المتعمد هي السائدة منذ عام واحد فقط، وتجلت في عدة ممارسات كان هدفها سياسيا محضا، مثل التغطية على تزوير لم يسبق له مثيل في اتساعه وفجاجته للإرادة الشعبية في الانتخابات المصرية، تمهيدا لتزوير أعمق كانوا ينوون إجراؤه، واستخدم شهر رمضان آنذاك للتعمية عن كل ذلك، فتزايدت البرامج التي تقوم في شكلها ومضمونها على "الردح"، بالإضافة بالطبع للمسلسلات الهزيلة التي تعتمد على نجوم مرحلة كانت قد أصيبت بالشيخوخة لكنها تقاوم الأفول!!
يسرا، نور الشريف، ليلى علوى، يحيى الفخراني، غادة عبد الرازق، سمية الخشاب، وعشرات آخرون من النجوم وأشباه النجوم، كانوا يحاصرونك في المسلسلات التي صنع أغلبها على عجل لتلحق بالمولد الرمضاني. ونحن لسنا هنا في مجال التقييم النقدي للفرق الهائل بين الموهبة الحقيقية بين نجم وآخر، ومن المؤكد أن من بين هؤلاء من يتمتع بموهبة فنية أصيلة، لكن الطبيعة الخاصة للعرض في شهر رمضان كانت تفرض حتى على الموهوبين أن يعتمدوا فقط على صورتهم الجماهيرية. ومثل الزعماء الذين يظهرون في الشرفات فتستولي على الجماهير نوبة من التصفيق والهتاف، تصور أشباه النجوم بدورهم أن مجرد ظهورهم يكفي، بلا حاجة لأي جهد فني، وأنت تعرف بالطبع أن بعضهم أطلق على نفسه صفة الزعامة، لكن تلك بداية النهاية، ومثل السياسة عندما يتساءل الناس عما يمنحه لهم القائد السياسي الذي يتصرف باعتباره "نجما"، فإن المتفرجين يتساءلون أيضا عندما يرون النجم – الذي يتصور نفسه زعيما - إذا ما كان يمثل لهم أم يمثل عليهم!
كان إذن رمضان الماضي علامة على نهاية مرحلة، وربما جاء رمضان الحالي علامة على مرحلة جديدة، كان أول أماراتها الدالة اختفاء معظم نجوم المرحلة السابقة، وهو الاختفاء الذي يكمن وراءه سبب مزدوج، فأجورهم الباهظة التي يدفعها لهم المنتجون، ويستردونها من المعلنين، الذين يمتصونها بدورهم من المستهلكين، هذه الأجور تبدو هذا العام مستحيلة، لأن هناك توقعات بتراجعات المعلنين، الذين يخشون من تدني نسبة المشاهدة. أما السبب الآخر فهو أن هؤلاء النجوم، الحقيقيين منهم والمصطنعين، باتوا أقرب التصاقا في لاوعي الجمهور بمرحلة الإلهاء التي ولت، وببساطة لم يعد أحد يصدقهم، وما نزال في انتظار أن تثمر المرحلة اللاحقة وتسفر عن نجومها.
تأمل على سبيل المثال إذا ما ظهرت يسرا في مسلسل جديد، ترى هل سوف يتعلق بها الجمهور كما كان يفعل من عشر سنوات خلت؟ هناك كثير من الشك في ذلك، لأنها اربطت في الأذهان بمرحلة تزايد فيها الكذب على الناس، الكذب الصريح إلى درجة الوقاحة، ولأن يسرا أيضا مضت إلى استسهال أداء شخصيات مرسومة على نحو باهت. مرة أخرى قد يحتج البعض بأن يسرا موهبة لا شك فيها، ومرة أخرى نؤكد أن الموهبة لابد أن تتجسد في جهد وعطاء فنيين، وهي لم تفعل ذلك في السنوات الأخيرة لأن السياق كله كان يكرس لأن يحصل على النجومية من يضحك على الناس. ولعل هذا الأمر يبدو أكثر وضوحا مع نور الشريف، وهو بدوره لا شك في موهبته وقدراته، لكن تأمل مسلسل "الدالي" بأجزائه، وحاول أن تعثر فيه على أصالة فنية، وأعتقد أنك لن تجد الكثير.
سوف يكون لنور الشريف جزء ثالث من "الدالي" في رمضاننا هذا، لكن ما نتوقعه أنه سوف يكون مثل الجزأين السابقين امتدادا للمعالجة الفاترة لفكرة فيلم "الأب الروحي"، سلسلة من القتل والمونولوجات الزاعقة والعلاقات الميلودرامية، منبتة الصلة عن واقعنا، والمتفرج يعلم الآن أن الفساد المستشري في واقعه أكثر عمقا من ذلك الذي يصوره "الدالي"، فما حاجته إذن للفرجة عليه؟ إن هذا ينطبق أيضا على غادة عبد الرازق، التي لا تقف فقط عند حدود محاولة إحياء بطلات نادية الجندي ونبيلة عبيد، الفاتنات القاتلات، لكنها أيضا تبعث مسلسلات قديمة من قبورها، مثل "سمارة" بصفاتها الفولكلورية التي لا يمكن للجيل الجديد أن يصدقها أبدا.
مثل الظل الشاحب تمضي سمية الخشاب أيضا في إثر نادية الجندي ونبيلة عبيد، ولا أدري كيف يتصور المنتجون أن يصنعوا لها "وادي الملوك"، ليكون نسخة أخرى من مسلسلات "أشباه" الصعايدة وتهريب الآثار، تلك التي شاهدناها عشرات المرات، أو يكون لها مسلسل آخر يدعى "كيد النسا"، في عصر تقف فيه المرأة المصرية بجوار الرجل في الثورات العربية، تتلقى الضربات وتدافع عن نفسها ليس بـ"كيد النساء" أبدا، وإنما بالتحيز للحرية والكرامة والعدل!!
ومن بقايا المسلسلات القديمة، يأتي محمد هنيدي في مسلسل "رمضان مبروك"، وهاني رمزي في "عريس دليفيري"، وكل منهما قد تجمد عند ذات الحركات والإيماءات التي يتصورونها تثير الضحك، بينما هي أقرب لتجسيد البلاهة والبلادة، اللذين لم يعد لهما مكان في عقل المتفرج العربي الآن. ماذا عن تامر حسني أيضا؟ ربما يكون له مسلسل "آدم"، لكن هناك شكا كبيرا في أن يظل له جمهور واسع بعد موقفه السلبي من ثورة يناير والثوار.
ولعل الموقف الغامض لمسلسل عادل إمام يعبر عن الحالة الراهنة في صناعة الإعلام العربي، إنه مسلسل يدعى "ناجي عطا الله" ويمكن أن يحمل أي اسم آخر، وقيل الكثير عن حبكته الهزلية التي تحكي عن سرقة هذا "البطل" لمصرف إسرائيلي، وسوف يقول عادل إمام أن في ذلك تعبيرا عن المقاومة، بالسرقة كما كان بطل "السفارة في العمارة" يقاوم بمعاشرة بنات الليل!! لكن التوقف المفاجئ عن التصوير، بعد إنفاق نفقات باهظة في الإنتاج (لقد كان أجر عادل أمام وابنيه المخرج رامي والممثل محمد مثار لغط كبير)، هذا التوقف يعني أن صناع العمل يستشعرون خطرا حقيقيا.
الأمر ببساطة هو أن هناك تغييرا في مزاج المتفرج المصري والعربي، وهو لم يعد يستمتع باجترار حواديت ملفقة بأداء بليد فاتر، يعتمد فيه النجوم وأشباههم على أن الجمهور سوف "يبلع" كل ما يقدم له. كما أن المتفرج سوف يشعر بالإهانة عندما يجد أن برامج الإشاعات الفاضحة تستهين بعقله على نحو ما صنعت في رمضان الماضي. وربما سوف يتحول المتفرج قليلا إلى برامج "التوك شو" السياسية، لكنه وقد أصابته التخمة منها لم يعد مفتونا بها كما كان من شهور مضت. إنه لا يريد الحديث عن التغيير، بل إنه يريد أن يراه ويلمسه ويعيشه، وهو في الأغلب سوف يبدأ هذا التغيير بنفسه، عندما يخرج إلى الساحات في ليالي رمضان، يناقش أحواله ويستطلع مستقبله، وينتظر العيد الذي سوف يكون طعمه هذه المرة بالتأكيد مختلفا.

No comments: