Saturday, September 14, 2013

مسلسل "اسم مؤقت".... دليلك إلى خداع المتفرج في تسع وعشرين حلقة


تسيطر مؤخرا على الدراما المصرية، التليفزيونية والسينمائية، بل أيضا على معظم الإعلانات التجارية، تيمة واحدة غريبة، خاصة في مجتمع عُرف عنه الاستقرار والثبات لمئات السنين، لدرجة اتهامه أحيانا بأنه يستعصي على التطور والتغيير. تلك التيمة هي ضياع هوية البطل الدرامي، التي تصل إلى درجة الخلل العقلي، وشاع في سطور حوار هذه الدراما تعبير "الانفصال عن الواقع"، ولعل ذلك كله يشير إلى حالة من القلق الاجتماعي والسياسي، حيث يبدو مظهر الأشياء غالبا مناقضا لجوهرها، لكن الحقيقة أنه يعكس أيضا أمرا أكثر بساطة بكثير، وهو ضعف الكتابة الدرامية إلى درجة لا تُصدق!! كنا قد أشرنا في مقال سابق إلى مسلسل "حكاية حياة"، وربما سوف نأتي لاحقا إلى مسلسل "نظرية الجوافة"، وها نحن الآن بصدد مسلسل يدعى "اسم مؤقت"، وفي كل هذه المسلسلات تحتشد الأحداث بخليط عجيب غريب ومتشابك من الخيوط، وتظهر شخصيات وتختفي أخرى، وبينما ينتظر المتفرج أن يقدم صناع هذا العمل أو ذاك حلا للعقدة الدرامية وكل هذا التعقيد، إذا بهم يقولون له إن كل ما رآه ليس هو الحقيقة، وإنه ناتج عن خيال شخص مريض، يعيش بعيدا عن الواقع في عالم وهمي، وذلك بالضبط هو جوهر الخلل في هذا النوع من الدراما، إنه يقوم على خداع المتفرج، وهروب كاتب السيناريو من تقديم تفسير درامي مقنع لثلاثين حلقة من الغموض، الذي سوف يكتشف المتفرج أخيرا افتعاله وتعسفه. وقد نحتاج في البداية أن نشير إلى بعض الأعمال المسرحية والسينمائية العالمية التي بدأت تيمة ضياع الهوية والبحث عنها، وربما كان مفهوما تماما أن يثور هذا السؤال بعد أن عاشت أوربا أهوال الحرب العالمية الثانية، فعلى رغم ما تدعيه من حضارة وتمدن، شهدت هذه الحرب أقصى درجات الوحشية، بما استدعى السؤال: من نحن حقا؟ وكانت البداية في مسرحية جان أنوي الفرنسية "مسافر بلا متاع"، حول شخص فقد الذاكرة، ليطوف دون جدوى بين عائلات مختلفة باحثا عن حقيقته، وعندما يصل أخيرا إلى عائلته الحقيقية، يكتشف أن له ماضيا بغيضا، فيقرر أن يتحرر من هذا الماضي لكي يبدأ حياته من جديد بهوية جديدة. وفي تنويع أمريكي على الفكرة ذاتها، جاء فيلم "هوية بورن" بأجزائه اللاحقة، التي تتحدث جميعا عن بطل فقد ذاكرته، لكنه يكتشف أيضا أن ماضيه ملوث بعمليات إجرامية، لأنه أحد العملاء الخطرين لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية، التي تحاول قتله حتى لا يفشي أسرارها، ليخوض معها حربا باحثا لنفسه عن هوية جديدة. لكن المعالجة الأقرب إلى مسلسل "اسم مؤقت" كانت مع الفيلم الأمريكي "المجهول"، لبطل يفقد ذاكرته في حادث، وعندما يحاول أن يستعيد هويته وماضيه ينكره الجميع، على نحو بالغ الكابوسية، ليكتشف في النهاية أن الهوية التي يبحث عنها ليست إلا هوية مزيفة، عاشها في مهمة قذرة للمخابرات الأمريكية. ونحن أيضا مع "اسم مؤقت" مع بطل يدعى يوسف رمزي (يوسف الشريف)، نراه في اللقطات الأولى وقد وصل لتوه من لندن بعد سنوات طويلة من الغياب عن مصر، ويتعرف في الطائرة على المضيفة الجميلة هالة (شيري عادل)، التي سوف تصبح حبيبته في قادم الأحداث، كما سوف يذهب إلى منزله، حيث تستقبله أمه الحنون (صفاء الطوخي). وتنمو العلاقة الدافئة من جانب يوسف تجاه هالة، بينما تمضي الأحداث أيضا هنا وهناك في أي اتجاه، لتحكي مثلا عن علاقة حب قديمة بين يوسف ومطربة شهيرة، تنتهي إلى مصرعها على يد زوجها الغيور. لابد أنك قد شعرت بتلميح ما حول حادثة شهيرة مشابهة، كما سوف تشعر بتلميحات أخرى حول ملابسات اقترنت بالسباق حول الترشح للانتخابات الرئاسية، مثل خيانة رجل السياسة لزوجته التي وقفت معه طويلا، أو علاقة الحب التي أعلنها رجل سياسة آخر في إحدى الصحف، أو تزوير رجل ثالث (أو قل إخفائه) لحقيقة حصوله على جنسية أجنبية. ما هي علاقة ذلك كله ببطلنا يوسف؟ إنه سوف يكون الراعي الرسمي لأحد هؤلاء المرشحين (زكي فطين)، ليقطع ذلك السياق كله، ويتقاطع معه، حادث عارض، يفقد فيه يوسف ذاكرته، وعندما يحاول أو يستعيد بعضا من هذه الذاكرة، بمساعدة الحبيبة هاله، يقولون له إن هناك شخصا آخر باسم يوسف رمزي، هو الراعي للحملة الانتخابية إياها. كان يكفي لهذا الـ"يوسف" أن يطلب من هالة مثلا أن تساعده في إثبات دخوله من المطار، فلابد أنهم سجلوا هناك هويته، لكن هذا "الحل" لن يرد على ذهن يوسف (بالأحرى لن يرد على ذهن صناع المسلسل)، لأنه سوف ينهي هذه الدراما المصطنعة في الحلقة الثانية!! وبدلا من ذلك يدخل العمل إلى متاهة درامية بالمعنى الحرفي للكلمة، حيث تحدث عمليات القتل العشوائي لأي شخص بمنتهى السهولة، وينجح يوسف دائما في التغلب على مطارديه بمهارات لا يقول لنا المسلسل من أين اكتسبها، ليظل دائما في حالة هروب، من جانب جهة لا يعلمها ولا نعلمها في الأغلب، ولن يفيدنا حتى أن علمناها سوى أن تزيد الأمر ارتباكا. هناك مشكلة سوف تشعر بها كمتفرج طوال الحلقات، أن الممثل يوسف الشريف لن ينقل لك أبدا إحساس الشخص الباحث عن هويته، الهارب من مطاردته، فهو "يتمتع" بثبات غريب في تعبيرات الوجه وإيماءات الجسد، بينما المكسب الحقيقي هنا هو عشرات الممثلين المساعدين الشباب، من الرجال والنساء على السواء، ذوي الوجوه العادية والأداء الطبيعي، بما يشعرك أنك قد قابلت هذه الشخصيات في حياتك اليومية، فيما عدا ممثلا واحدا قام بدور ضابط شرطة، بدا كأنه قادم من عالم الرسوم المتحركة اليابانية، حيث لا تبدو على الوجوه أي نوع من المشاعر. من جانب آخر، عمد إخراج أحمد نادر جلال إلى استخدام أسلوب شبه سينمائي، أصبح تقليدا متبعا هذه الأيام، بالتصوير بكاميرا رقمية خفيفة (أو أكثر من كاميرا لنفس المشهد أحيانا)، تتعمد الحركة الدائمة حتى لو لم تكن مطلوبة، بما يجعل "الكادر" أحيانا مهتزا أو غارقا في الظلام، مع قطعات مونتاجية سريعة بين الكاميرات، لكنك سوف تلاحظ أيضا آفة لا يلتفت لها معظم المخرجين التليفزيونيين، وهي أن الموسيقى لا تتوقف لحظة واحدة، حتى أنها تفقد في النهاية معنى وجودها ذاته!! غير أن المشكلة (أو الخدعة) الأهم في مسلسل "اسم مؤقت" تأتي في شكل ذلك التحذير المكتوب في بداية كل حلقة: "أي تشابه بين الشخصيات والأحداث مع الواقع لا يتحمل مسئوليته صناع المسلسل، وإنما يتحمل مسئوليته من شوهوا هذا الواقع". فهذه الكلمات تعطيك وعدا بأنها سوف تقدم لك الواقع أيا كانت درجة مرارته وقسوته وتشوهه. لكن ما رأيك حين تعرف في الحلقة الأخيرة أن كل ما رأيته لم يحدث (!!)، بل هو تهاويم مريض نفسي، هو بطلنا ذاته، الذي قتل زوجته هالة، وتعالجه الطبيبة التي أعطاها في خياله دور الأم؟ ناهيك عن استخدام شخصيات متناثرة أخرى من حياته، ليلعبوا أدوارا في قصته المتخيلة، لكنك لن تعرف أبدا ما علاقة الانتخابات الرئاسية ومرشحيها بكل هذه الخيالات المريضة!! تقول الطبيبة (صفاء الطوخي مرة أخرى بالطبع) لبطلنا الذاهل إن كل ما حكاه ليس إلا خيالا وخبالا، وأن كل المؤامرات التي شهدناها ليست إلا نتاجا لهذا الخيال، وسوف يزيد إلى ذلك المؤلف محمد سليمان عبد الملك بعضا من التفلسف حول "البوابة بين الحقيقة والوهم"، لنرى البطل في اللقطات الأخيرة قعيدا على كرسي متحرك في مصحة للأمراض النفسية والعقلية، دون أن تكون هناك إشارة واحدة إلى ذلك كله في التسع والعشرين حلقة، يمكن أن يشعر المتفرج من خلالها أن أحدا لم "يضحك عليه". وقد نصدق في النهاية أن كل ذلك الخلط ناتج عن خيال مريض، لكننا لا يمكننا أن نقبل أن يأتي كل هذا الخلط في مسلسل يفترض أن صناعه يتمتعون بالعقل!!

No comments: