Thursday, August 18, 2011

مسلسل "خاتم سليمان" استعراض الممثل الواحد


في رمضان من العام الماضي، كان هناك مسلسل يحمل اسم "أهل كايرو"، الذي حقق جماهيرية واسعة بسبب حبكته البوليسية التي أحبطت المشاهدين في نهاية الحلقات، لأنها جاءت بحل مفاجئ لم تكن له أي إشارات سابقة في الأحداث أو رسم الشخصيات. وكان الممثل خالد الصاوي هو بطل الحلقات، لكن بالرغم من ذلك كانت هناك إلى جانبه العديد من الشخصيات الرئيسية والثانوية، والإيقاع المتدفق السريع، والحوار الذي يلمح إلى الكثير من تناقضات الحياة في مصر في الآونة الأخيرة، وكانت كل تلك العوامل مجتمعة هي أسباب إضافية للنجاح النسبي للمسلسل، ويبدو أن ذلك قد أغرى خالد الصاوي بتكرار التجربة، ليقوم هذا العام ببطولة "خاتم سليمان"، الذي بدأ في حلقته الأولى بداية مشجعة، لكنه مع توالي الحلقات يشي بنقاط ضعف عديدة جعلته يتراجع يوما بعد يوم.
لعلك قد لاحظت منذ اللحظة الأولى تلك "الموضة" في التورية التي يحملها عنوان المسلسل، الذي يحمل اسم بطله "سليمان"، لكنه يضيف إليه خاتما سوف يجعله يرتديه لسبب غامض، فكأنه إشارة ملتبسة لخاتم النبي سليمان الذي يسخّر به الجن، فكذلك بطلنا سليمان الذي يأتي بالأعاجيب بين الحين والآخر، برغم المآزق التي يمر بها وتكاد أن تعصف به، لكنه يقوم من عثرته قويا ليعاود سحره من جديد.
هذا "السحر" الذي يملكه سليمان – الذي يقوم بدوره بالطبع خالد الصاوي – هو محور كل الحلقات، التي كتبها محمد الحناوي وأخرجها أحمد عبد الحميد، لكنك تلمس في كل التفاصيل تدخل البطل الممثل الذي يبدو أنه اعتبر نفسه "نجما"، وليست القضية أن يكون ذلك صحيحا أو لا (فالنجومية شيء نسبي تماما، خاصة إذا أصدر صاحبها حكما بشأنها)، لكن القضية هي أن تصبح هذه النجومية هي البداية والنهاية، وبدلا من أن تكون في خدمة العمل الفني، تصبح كل عناصر العمل في خدمتها!
تبدأ الحلقة الأولى بداية قوية، وهي الحلقة التي تمثل "قسم العرض" في البناء الدرامي، فهناك مستشفى شهيرة تحمل اسم صاحبها سليمان العريني، جراح القلب البارع الذي يصفه الحوار كالعادة بأنه "أشطر جراح قلب في مصر"، وتدير هذه المستشفى الدكتورة شاهيناز (رانيا فريد شوقي) زوجة سليمان، وهي تمسك بحزم بمقاليد الأمور فيها، وهو ما نراه في لمسات سريعة في إصدارها الأوامر هنا وهناك، حيث وصل إلى المستشفى أحد الوزراء مصابا بجلطة في القلب، لكن المشكلة أن الدكتور سليمان كعادته غائب في مكان مجهول.
دعك الآن من "منطقية" أن يكون هناك في الواقع جراح شهير على هذه الشاكلة، فلابد أنك تتسامح مع هذه التفاصيل قليلا لكي تستمتع بالعمل الفني، وسوف تعرف سريعا أن بطلنا جالس يلعب "طاولة" في مقهى شعبي، تنطلق من قلبه الضحكات الطفولية الصافية وهو ينتصر على خصمه. بعد أن ينتهي بطلنا من اللعب يصحبنا إلى سطح منزل فقير في قلب الحي القديم من القاهرة، لينطلق في تأملات عن منظر المدينة في الليل، لكن هدفه في التواجد في هذا المكان هو استعادة "حمامة زاجلة" له، كانت قد ضلت طريقها إلى عش غريب، ويدفع سليمان مبلغا كبيرا لاستعادتها وهو راضٍ بذلك.
كانت السلطات تبحث عن الدكتور سليمان في كل مكان لكي ينقذ الوزير المريض في تلك اللحظات الحاسمة من حياته، وينجحون بالفعل في النهاية، ويصحبونه عائدين إلى المستشفى، لكنه يبدو لاهيا بحكاياته مع الضابط الذي يصحبه، عن هواياته الغريبة وذكرياته المضحكة عن وزير الصحة الذي كان زميلا قديما له أيام الدراسة. لقد كان المسلسل هنا (وطوال الحلقات) يريد أن يضع خطوطا أكثر وضوحا حول شخصية سليمان، لكنه كلما حاول ذلك زاد الشخصية غموضا، حتى أنك تسأل نفسك: هل هو عابث ليس لديه إحساس بالمسئولية؟ هل يعاني من اضطراب نفسي ما؟ أم أنه متمرد على نجاحه ويريد أن يعيش حياة عادية مليئة بالمباهج الصغيرة؟
عبثا تحاول أن تجد إجابة واضحة على تلك الأسئلة حول بناء الشخصية الرئيسية، ويبدو أن صناع المسلسل بدورهم لا يملكون إجابة واضحة عنها، فما أغراهم بها هو أنها تقترب من شخصية "زوربا اليوناني"، التي ظهرت في الفيلم الشهير من بطولة أنتوني كوين، عن رواية الأديب اليوناني الكبير نيكوس كازانتزاكس، وهي شخصية تغري بالفعل أي ممثل بتجسيدها لما تملكه من تناقضات بالغة الحيوية، لكنها تحتاج إلى قدر هائل من الرهافة حتى لا تبدو هذه التناقضات – كما هو الحال هنا – أقرب إلى التشوش والاضطراب.
سوف يحاول المسلسل بالطبع أن يضع هذه الشخصية في مواقف تبرز تناقضاتها وحيويتها، لكن هذه المواقف سوف تصبح أقرب إلى "نمر" فيها الكثير من الافتعال، وقد تستغرق إحدى هذه النمر حلقات بأكملها، حتى إذا انتهت ينساها المسلسل ليمضي إلى نمرة أخرى. تبدأ هذه النمر مع كارثة حقيقية يعيشها سليمان وزوجته شاهيناز، فابنتهما الشابة الوحيدة شهد تذهب مع إحدى صديقاتها إلى موسيقي شهير، حيث تتكشف الليلة عن مصرع هذا الموسيقي، ليقع الاتهام بالقتل على الابنة، ويمضي سليمان في مغامرات بالغة السذاجة في محاولة للكشف عن الفاعل الحقيقي، مستخدما واحدا من أصدقاء الطفولة تحول إلى ممارسة الدجل والشعوذة، اللذين يصبحان سلاحه في اكتشاف أسرار الجريمة!
في "منطقة" أخرى من المسلسل (فكأن المسلسل مناطق معزولة دراميا عن بعضها البعض) نرى الصحافية الشابة عبير، التي تحاول الحصول على سبق صحفي يؤهلها للتعيين في الصحيفة التي تعمل بها، فتمضي خلف قصة الوزير المريض، وتدعي المرض لتدخل المستشفى لتكون قريبة من مصدر الأخبار، وحين تتكشف حقيقتها وتبدو قريبة من تلقي العقاب، يكشف لنا المسلسل عن أنها مريضة بسرطان الدم، وتلك كما ترى تطورات لا علاقة لها بأي بناء درامي متماسك، حيث لا علاقة بين مرضها ومغامراتها الصحفية، تماما كما يسير المسلسل في خط جديد عندما يقابل سليمان مجموعة من المجرمين، يدخل معهم في محاورات تجعلهم – مثلنا – حائرين في فهم شخصيته!!
من هذه الخطوط القصصية العشوائية تدرك أن البناء البوليسي هنا يفتقد الحد الأدنى من التماسك والإقناع، وذلك للانشغال بما يراه المسلسل أكثر أهمية وهو شخصية سليمان، لكنه هنا أيضا يفتقد المصداقية، ليس فقط لأن الشخصية بعيدة عن الواقعية، وإنما لأنها غير متكاملة الملامح بالمعنى الدرامي للكلمة. دائما يتحدث نقاد الدراما عن "الدافع" الذي يقود الشخصية لتصرفاتها، حتى لو كانت هذه التصرفات بالغة الغرابة, لكن الشخصية هنا ولدت "هكذا" وبدون أية دوافع، ولا تجد سوى "مونولوجات" طويلة من الحوار يتحدث بها البطل عن نفسه، أو يتحدث بها الآخرون عنه، وبصرف النظر عن أن هذه المونولوجات تربك إيقاع الأحداث تماما، أو أنها تجعل الممثلين يسترسلون في أداء "زاعق" بالمعنى الحرفي للكلمة، فإنك لا تستطيع أن تبني دراميا شخصية ما من خلال الحوار وحده، خاصة عندما يكون محتشدا بعبارات غائمة تصف سليمان بأن "بحر مليء بالألغاز" أو بأنه "شبح"، كما جاء بالنص في المسلسل!!
يدور المسلسل إذا عن سليمان، وكل الشخصيات تدور في فلكه، وكل الأحداث تمضي إليه، لذلك تبدو كل عناصر المسلسل مكرسة له، أو بالأحرى لخالد الصاوي، الذي يظهر كما لو كان يقف على خشبة مسرح، يلون في نغمات صوته وحركات جسده على نحو شديد المبالغة بما لا يتناسب مع رهافة الشاشة الصغيرة، التي تسجل النفاصيل الدقيقة فلا تتطلب من الممثل كل هذا القدر من تضخيم الأداء.
ربما تحمل الحلقات الأخيرة من "خاتم سليمان" نفسيرا لهذه الشخصية، لكن ذلك سوف يكون بدوره عن طريق جمل الحوار وحدها، وبعد ثلاثين حلقة من مسلسل كان يكفي فكرته فيلم في أقل من ساعتين، لكن همه كان أن يمنح بطله عرضا متصلا لأن يثبت موهبته، فإذا به يتحول في النهاية إلى أن يكون عرضا للممثل الواحد!!

1 comment:

ahmadalex said...

أحسدك على طولة بالك يا أبا خالد.. المسلسلات العربية تصيبني بالقرف، والعزوف عن مشاهدة الدراما، فهي مملة مليئة بالشخصيات المرضية (بعضهم من القائمين عليها) وتدفعني دفعاً لاستهلاك حجارة بطاريات الريموت كونترول بشكل مكلف مادياً... يا بختك على صبرك.
أحمد إبراهيم